فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال أُبي بن كعب: أما إنه لم ينسَ، ولكنه من معاريض الكلام.
وقال ابن عباس: معناه بما تركت من عهدك، {وَلاَ تُرْهِقْنِي}: تعجلني: وقيل: لا تغشني {مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}، يقول: لا تضيّق عليّ أمري وصحبتي معك.
{فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا}، قال سعيد بن جبير: وجد الخضر غلمانًا يلعبون، وأخذ غلامًا ظريفًا وضيء الوجه، فأضجعه ثمّ ذبحه بالسكين. وقال ابن عباس: كان لم يبلغ الحلم. وقال الضحّاك: كان غلامًا يعمل بالفساد، وتأذّى منه أبواه: وكان اسمه خش بوذ. وقال شعيب الحيّاني: اسمه حيشور، وقال وهب بن منبّه كان اسم أبيه ملاسَ، واسم أمه رُحمى. وقال الكلبي كان فتى يقطع الطريق، ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه ويحلفان دونه، فأخذه الخضر فصرعه ثمّ نزع من جسده رأسه.
وقال قوم: رفسه برجله فقتله. وقال آخرون: ضرب رأسه بالجدار فقتله. أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله بن سليمان عن يحيى بن قيس عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبّي بن كعب قال: سمعت النبّي صلى الله عليه وسلم يقول: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا فلمّا قتله قال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}؟». أي طاهرة. وقيل: مسلمة. قال الكسائي: الزاكية والزكية لغتان مثل القاسية والقسيّة. قال أبو عمرو: الزاكية: التي لم تذنب قط، والزكية: التي أذنبت ثمّ تابت. {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي من غير أن قتلت نفسًا أوجب عليها القود، {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}: منكرًا؟ وقال قتادة وابن كيسان: النكر: أشد وأعظم من الإمر.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا} أي هذه المرّة {فَلاَ تُصَاحِبْنِي}: فارقني؛ {قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا} في فراقي. أخبرنا عبد الله بن حامد عن مكّي بن عبدان عن عبد الرحمن بن بشير عن حجاج بن محمد: أخبرنا حمزة الزّيات عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، عن أُبّي بن كعب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: رحمة الله علينا وعلى أخي موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب العجاب، ولكنه قال: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا}».
{فانطلقا حتى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ} قال ابن عباس: يعني أنطاكية. وقال ابن سيرين: أيلة، وهي أبعد أرض الله من السّماء {استطعمآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا}، أي ينزّلوهما منزلة الأضياف؛ وذلك أنهما استطعماهم فلم يطعموهما، واستضافاهم فلم يضيفوهما. أخبرنا عبد الله بن حامد عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله بن سلمان عن يحيى بن قيس عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبّي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «{فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا} قال: كانوا أهل قرية لئامًا».
وقال قتادة في هذه الآية: شر القرى التي لا تُضيف الضيف، ولا تعرف لابن السبيل حقّه.
{فَوَجَدَا فِيهَا}، أي في القرية {جِدَارًا}، قال وهب: كان جدارًا طوله في السماء مئة ذراع، {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} هذا من مجاز الكلام، لأن الجدار لا إرادة له، وإنما معناه: قرب ودنا من ذلك، كقول الله تعالى: {تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 90]. قال ذو الرمّة:
قد كاد أو قد هم بالبيود

وقال بعضهم: إنما رجع إلى صاحبه، لأن هذه الحالة إذا كانت من ربّه فهو إرادته، كقول الله تعالى: {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} [الأعراف: 154] وإنما يسكت صاحبه. وقال: {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} [محمد: 21] وإنما يعزم أهله. قال الحارثي:
يريد الرمح صدر أبي براء ** ويرغب عن دماء بني عقيل

وقال عقيل:
إنّ دهرًا يلف شمل سليمى ** لزمان يهّم بالإحسان

{أَن يَنقَضَّ}، أي يسقط وينهدم، ومنه انقضاض الكواكب، وهو سقوطها وزوالها عن أماكنها. وقرأ يحيى بن عمر: {يريد أن ينقاض} أي ينقلع وينصدع، يقال: انقاضّت السنّ: انصدعت من أصلها. وقال بعض الكوفيين: الانقياض: الشق طولًا، يقال: انقاض الحائط والسن وطيّ البئر، إذا انشقت طولًا. {فَأَقَامَهُ}: سوّاه. قال ابن عباس: هدمه ثمّ قعد يبنيه. وقال سعيد بن جبير: مسح الجدار ودفعه بيده، فاستقام. قال موسى: {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ}، وقرأ أبو عمرو: {لتَخذت} وهما لغتان مثل قولك: اتّبع و تبِع، و اتّقى و تقى، قال الشاعر:
وقد تخدت رحلي إلى جنب غرزها ** نسيفًا كأفحوص القطاة المطرّق

وأنشد الزجاج في قوله: {لتخذت} قول أبي شمام الصبابي:
تخذوا الحديد من الحديد معاولًا ** سكانها الأرواح والأجساد

{عَلَيْهِ}، أي على إصلاحه وإقامته {أَجْرًا}، أي جَعْلًا وأُجرة. وقيل: قرىً وضيافة. فقال الخضر عليه السلام: {هذا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} قرأ لاحق بن حميد: {فراق} بالتنوين، {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الكهف: آية 51].

{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)}.
{ما أَشْهَدْتُهُمْ}.
وقرئ: {ما أشهدناهم}، يعنى: أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة، وإنما كانوا يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية، فنفى مشاركتهم في الإلهية بقوله: {ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لأعتضد بهم في خلقها {وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. {وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ} بمعنى وما كنت متخذهم {عَضُدًا} أي أعوانا، فوضع المضلين موضع الضمير ذمّا لهم بالإضلال، فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق، فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة؟ وقرئ: {وما كنت} بالفتح: الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والمعنى: وما صح لك الاعتضاد بهم، وما ينبغي لك أن تعتز بهم. وقرأ على رضي اللّه عنه: وما كنت متخذا المضلين، بالتنوين على الأصل. وقرأ الحسن: عضدا، بسكون الضاد، ونقل ضمتها إلى العين. وقرئ: {عضدا} بالفتح وسكون الضاد. و{عضدا} بضمتين وعضدا بفتحتين: جمع عاضد، كخادم وخدم، وراصد ورصد، من عضده: إذا قواه وأعانه.

.[سورة الكهف: الآيات 52- 53].

{وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفًا (53)}.
{يَقُولُ} بالياء والنون. وإضافة الشركاء إليه على زعمهم: توبيخا لهم وأراد الجن.
والموبق: المهلك، من وبق يبق وبوقا، ووبق يوبق وبقا: إذا هلك. وأو بقه غيره. ويجوز أن يكون مصدرا كالمورد والموعد، يعنى: وجعلنا بينهم واديا من أودية جهنم هو مكان الهلاك والعذاب الشديد مشتركا يهلكون فيه جميعا.
وعن الحسن {مَوْبِقًا} عداوة. والمعنى: عداوة هي في شدتها هلاك، كقوله: لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا. وقال الفراء: البين الوصل أي: وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة. ويجوز أن يريد الملائكة وعزيرا وعيسى ومريم، وبالموبق: البرزخ البعيد، أى: وجعلنا بينهم أمدا بعيدا تهلك فيه الأشواط لفرط بعده، لأنهم في قعر جهنم وهم في أعلى الجنان {فَظَنُّوا} فأيقنوا {مُواقِعُوها} مخالطوها واقعون فيها {مَصْرِفًا} معدلا. قال:
أزهير هل عن شيبة من مصرف

.[سورة الكهف: آية 54].

{وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)}.
{أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل إن فصلتها واحدا بعد واحد، خصومة ومماراة بالباطل. وانتصاب {جَدَلًا} على التمييز، يعنى: أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء. ونحوه: {فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}.

.[سورة الكهف: آية 55].

{وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا (55)}.
{أَنْ} الأولى نصب. والثانية رفع، وقبلها مضاف محذوف تقديره {وَما مَنَعَ النَّاسَ} الإيمان والاستغفار {إِلَّا} انتظار {أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} وهي الإهلاك {أَوْ} انتظار أن {يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ} يعني عذاب الآخرة {قُبُلًا} عيانا. وقرئ: {قبلا} أنواعا: جمع قبيل. و{قبلا} بفتحين: مستقبلا.

.[سورة الكهف: آية 56].

{وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)}.
{لِيُدْحِضُوا} ليزيلوا ويبطلوا، من إدحاض القدم وهو إزلاقها وإزالتها عن، موطئها {وَما أُنْذِرُوا} يجوز أن تكون ما موصولة، ويكون الراجع من الصلة محذوفا، أى: وما أنذروه من العذاب. أو مصدرية بمعنى: وإنذارهم. وقرئ: {هزأ}، بالسكون، أى: اتخذوها موضع استهزاء. وجدالهم: قولهم للرسل: {ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا}، {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً} وما أشبه ذلك.

.[سورة الكهف: آية 57].

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}.
{بِآياتِ رَبِّهِ} بالقرآن، ولذلك رجع إليها الضمير مذكرا في قوله: {أَنْ يَفْقَهُوهُ}.
{فَأَعْرَضَ عَنْها} فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر {وَنَسِيَ} عاقبة {ما قَدَّمَتْ يَداهُ} من الكفر والمعاصي، غير مفكر فيها ولا ناظر في أنّ المسيء والمحسن لابد لهما من جزاء. ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم، وجمع بعد الافراد حملا على لفظ من ومعناه {فَلَنْ يَهْتَدُوا} فلا يكون منهم اهتداء البتة، كأنه محال منهم لشدة تصميمهم {أَبَدًا} مدة التكليف كلها. و{إِذًا} جزاء وجواب، فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول، بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله: مالى لا أدعوهم حرصا على إسلامهم؟ فقيل: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا.

.[سورة الكهف: آية 58].

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)}.
{الْغَفُورُ}: البليغ المغفرة {ذُو الرَّحْمَةِ} الموصوف بالرحمة، ثم استشهد على ذلك بترك مؤاخذة أهل مكة عاجلا من غير إمهال، مع إفراطهم في عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ} وهو يوم بدر {لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} منجى ولا ملجأ. يقال: وأل إذا نجا، ووأل إليه إذا لجأ إليه.

.[سورة الكهف: آية 59].

{وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}.
{وَتِلْكَ الْقُرى} يريد قرى الأوّلين من ثمود وقوم لوط وغيرهم: أشار لهم إليها ليعتبروا.
تِلْكَ مبتدأ، والْقُرى صفة، لأنّ أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس، و{أَهْلَكْناهُمْ} خبر. ويجوز أن يكون تِلْكَ الْقُرى نصبا بإضمار أهلكنا على شريطة التفسير. والمعنى: وتلك أصحاب القرى أهلكناهم {لَمَّا ظَلَمُوا} مثل ظلم أهل مكة {وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} وضربنا لإهلاكهم وقتا معلوما لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر.
والمهلك: الإهلاك ووقته. وقرئ: {لِمَهْلِكِهِمْ} بفتح الميم، واللام مفتوحة أو مكسورة، أى: لهلاكهم أو وقت هلاكهم. والموعد: وقت، أو مصدر.

.[سورة الكهف: الآيات 60- 65].

{وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَبًا (62) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا (64) فَوَجَدا عَبْدًا مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}.
{لِفَتاهُ} لعبده. وفي الحديث: ليقل أحدكم فتاي وفتأتي، ولا يقل: عبدى وأمتى.
وقيل: هو يوشع ابن نون. وإنما قيل: فتاه، لأنه كان يخدمه ويتبعه. وقيل: كان يأخذ منه العلم. فإن قلت: {لا أَبْرَحُ} إن كان بمعنى لا أزول- من برح المكان- فقد دل على الإقامة لا على السفر. وإن كان بمعنى: لا أزال، فلابد من الخبر. قلت: هو بمعنى لا أزال، وقد حذف الخبر، لأنّ الحال والكلام معا يدلان عليه. أمّا الحال فلأنها كانت حال سفر. وأمّا الكلام فلأن قوله: {حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} غاية مضروبة تستدعى ما هي غاية له، فلابد أن يكون المعنى: لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين. ووجه آخر: وهو أن يكون المعنى: لا يبرح مسيري حتى أبلغ، على أن حتى أبلغ هو الخبر، فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم، فانقلب الفعل عن لفظ الغائب إلى لفظ المتكلم، وهو وجه لطيف.
ويجوز أن يكون المعنى: لا أبرح ما أنا عليه، بمعنى: ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ، كما تقول: لا أبرح المكان. ومجمع البحرين: المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر عليهما السلام، وهو ملتقى بحرى فارس والروم مما يلي المشرق. وقيل: طنجة. وقيل: إفريقية. ومن بدع التفاسير: أن البحرين موسى والخضر، لأنهما كانا بحرين في العلم. وقرئ: {مَجْمَعَ} بكسر الميم، وهي في الشذوذ من يفعل، كالمشرق والمطلع من يفعل {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} أو أسير زمانا طويلا.